الدبلوماسية الحضرية في إيران: نماذج واستراتيجيات وآفاق

مقدمة عن الدبلوماسية الحضرية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية
التعريفات والمفاهيم الأساسية وأهمية الدبلوماسية الحضرية في سياق السياسة الخارجية والتنمية الوطنية في إيران

تكتسب الدبلوماسية الحضرية، كأحد الجوانب الحديثة للتفاعلات الدولية في عصر العولمة، اهتمامًا متزايدًا. يُعرف هذا المفهوم بأنه “فن توظيف العلاقات الدولية لتعزيز التفاعل والمفاوضات والتنمية وتحسين العلاقات بين مواطني مدن العالم المختلفة”، ويهدف أساسًا إلى التوجه نحو “الشعوب” و”المواطنين” بدلاً من الحكومات. في عالم أصبحت فيه المدن لاعبين بارزين على الساحة العابرة للحدود، برزت الدبلوماسية الحضرية كأداة لتحقيق مصالح متنوعة، بما في ذلك جذب السياح والمستثمرين، تعزيز الاقتصاد، ونقل المعلومات والهويات الثقافية. وتُمارس هذه الدبلوماسية بشكل ثنائي أو متعدد الأطراف، وعلى مستويات إقليمية وعالمية.

تكمن أهمية الدبلوماسية الحضرية في قدرتها على إنشاء قنوات تواصل تتجاوز العلاقات الرسمية الحكومية، خاصة في ظل التوترات التي قد تطغى على العلاقات بين الدول. في مثل هذه الظروف، يمكن للبلديات، كممثلين مباشرين للمواطنين، أن تلعب دورًا فعالًا في تحسين العلاقات بين الشعوب وتعزيز التفاهم المتبادل. فالدبلوماسية الحضرية ليست مجرد نشاط رمزي، بل هي أداة فعالة لتحقيق أهداف التنمية الوطنية والحضرية، بما يشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

من الجوانب الأساسية للدبلوماسية الحضرية تكاملها مع الدبلوماسية العامة للبلاد. يمكن لهذين المجالين، خاصة في التفاعلات الثقافية والاقتصادية، أن يعززا بعضهما بعضًا. يساهم هذا التكامل في تعزيز “القوة الناعمة” للبلاد ومواجهة الصور النمطية السلبية الدولية، مثل ظاهرة “الإيرانوفوبيا”. تركز الدبلوماسية الحضرية على المواطنين والتفاعلات الشعبية، مما يخلق أسسًا أكثر استدامة للعلاقات الدولية، أقل تأثرًا بالتقلبات السياسية. ونتيجة لذلك، يمكن أن يسهم النجاح في هذا المجال بشكل غير مباشر في تحقيق الأهداف الكبرى للسياسة الخارجية وزيادة التفاهم بين الشعوب، حتى في أوقات البرودة في العلاقات الدبلوماسية الرسمية.

علاوة على ذلك، ترتبط الدبلوماسية الحضرية بشكل متزايد بأهداف التنمية الحضرية المستدامة، تحسين جودة حياة المواطنين، وتعزيز الحوكمة الحضرية الجيدة. يُعد تبادل الخبرات في مجالات مثل النقل النظيف، إدارة النفايات، وتطوير المدن الذكية من خلال التعاون بين المدن، أمثلة واضحة على هذا الارتباط. وهذا يدل على أن الدبلوماسية الحضرية في إيران ليست مجرد نشاط احتفالي، بل تُعتبر بشكل متزايد استراتيجية عملية لحل المشكلات الحضرية وتحقيق معايير أعلى للحياة والتنمية المستدامة.

الجهات الفاعلة الرئيسية في الدبلوماسية الحضرية في إيران (البلديات، الحكومة المركزية، المؤسسات المدنية)
يعتمد نجاح الدبلوماسية الحضرية على التعاون والتنسيق بين العديد من الجهات الفاعلة. في إيران، تشمل الجهات الرئيسية ما يلي:

  • البلديات: تُعتبر البلديات، خاصة في المدن الكبرى مثل طهران وأصفهان وشيراز وتبريز ومشهد، الجهات الرئيسية والرائدة في مجال الدبلوماسية الحضرية. تقوم هذه البلديات، من خلال إدارات ومراكز شؤونها الدولية، بإبرام اتفاقيات التوأمة، والانضمام إلى المنظمات الدولية الحضرية، وتنفيذ مشاريع مشتركة.
  • الحكومة المركزية (خاصة وزارة الخارجية): تلعب الحكومة المركزية، وبالأخص وزارة الخارجية، دورًا داعمًا ومنسقًا وميسرًا في أنشطة الدبلوماسية الحضرية. يُعد التعاون مع وزارة الخارجية حيويًا لنجاح هذه الأنشطة، خاصة في الأطر الجديدة والمعقدة مثل مجموعة بريكس. تحدد السياسة الخارجية العامة للبلاد والمصالح الوطنية الإطار العام لأنشطة الدبلوماسية الحضرية.
  • المؤسسات المدنية والمنظمات غير الحكومية: تلعب هذه المنظمات، إلى جانب الجامعات، دورًا مهمًا في التفاعلات الثقافية والتاريخية والسياحية والعلمية، وتساهم بشكل كبير في تعزيز وتعميق العلاقات الشعبية.

على الرغم من أهمية التفاعل بين البلديات والحكومة المركزية لتعزيز الدبلوماسية الحضرية، إلا أن هذا التفاعل قد يواجه تحديات في بعض الأحيان. بينما يُعد دعم الحكومة المركزية، وخاصة وزارة الخارجية، ضروريًا لنجاح الدبلوماسية الحضرية، إلا أن عدم التنسيق أو الاختلاف في الأولويات قد يخلق عقبات. تتطلب الدبلوماسية الحضرية بطبيعتها درجة من الاستقلالية في عمل البلديات، ولكن يجب أن تتم هذه الاستقلالية ضمن إطار السياسات الوطنية الكبرى وبما يتماشى مع أجهزة الدبلوماسية الرسمية. لذا، هناك حاجة ماسة إلى آليات واضحة للتنسيق وتوزيع المهام بين الجهات المختلفة، فضلاً عن تمكين البلديات بشكل أكبر ضمن إطار المصالح الوطنية.

كما يبدو أن الإمكانات الكاملة للمؤسسات المدنية والجامعات في الدبلوماسية الحضرية الإيرانية لم تُستغل بالكامل بعد. على الرغم من الدور البارز للمنظمات غير الحكومية والجامعات في بعض الحالات، مثل مشروع “المواطن الدبلوماسي” في أصفهان أو التعاون العلمي الجامعي، إلا أن إمكانات هذه الجهات لإضافة العمق والاستدامة والابتكار للعلاقات بين المدن تتجاوز بكثير الوضع الحالي. تعزيز مشاركة هذه المؤسسات يمكن أن يؤدي إلى جعل الدبلوماسية الحضرية الإيرانية أكثر تخصصًا وشعبية وفعالية.

نظرة عامة على تطور الدبلوماسية الحضرية في إيران

تمتلك التفاعلات بين المدن في إيران تاريخًا طويلًا. كان طريق الحرير، على سبيل المثال، ليس مجرد ممر لتجارة البضائع، بل منصة لتبادل الأفكار والثقافات والابتكارات بين مدن مختلفة على طول مساره. يمكن اعتبار هذا الإرث الغني رأسمالًا رمزيًا ومضمونيًا للدبلوماسية الحضرية المعاصرة في إيران.

في العصر الحديث، كانت اتفاقيات التوأمة بين المدن الكبرى شائعة منذ فترة طويلة. على سبيل المثال، أبرمت طهران قبل الثورة الإسلامية اتفاقيات توأمة مع مدن مثل سيول (منذ عام 1963) ولوس أنجلوس (منذ عام 1972). بعد الثورة الإسلامية، وخاصة منذ التسعينيات الميلادية (السبعينيات الهجرية)، شهدنا توسعًا وتنظيمًا أكبر لهذه الأنشطة. تم توقيع أول اتفاقية توأمة لطهران بعد الثورة مع مدينة بيشكيك، عاصمة قيرغيزستان، في عام 1373 هـ.ش (1994 م).

في السنوات الأخيرة، ازداد الاهتمام بالدبلوماسية الحضرية والسعي لتفعيل الاتفاقيات وتحقيق نتائج ملموسة. يعكس إنشاء إدارات متخصصة مثل إدارة الدبلوماسية الاقتصادية وإدارة الدبلوماسية المواطنة في هيكلية بلدية طهران، والجهود للمشاركة الفعالة في المنظمات الدولية والفعاليات العالمية، مثل قمة المدن الأعضاء في مجموعة بريكس، هذا الاتجاه المتزايد والتحول في النظرة إلى الدبلوماسية الحضرية.

يعكس هذا التطور انتقالًا من دبلوماسية رمزية إلى دبلوماسية عملية وموجهة نحو النتائج. في الماضي، كانت العديد من اتفاقيات التوأمة تحمل طابعًا احتفاليًا ورمزيًا أكثر منه عمليًا. أما الآن، فهناك تركيز متزايد على تفعيل هذه الاتفاقيات وتحقيق نتائج ملموسة اقتصادية وثقافية وفنية واجتماعية. يعكس هذا التغيير في النهج نضجًا أكبر في التعامل مع الدبلوماسية الحضرية والسعي لزيادة فعاليتها وتبرير الاستثمار في هذا المجال.

ومع ذلك، تأثرت ديناميكية الدبلوماسية الحضرية في إيران دائمًا بالتطورات السياسية والاقتصادية الكبرى على الصعيدين الداخلي والدولي. فترات مثل الحرب العراقية الإيرانية والعقوبات الاقتصادية أثرت بلا شك على نطاق وجودة أنشطة الدبلوماسية الحضرية، حيث تسببت أحيانًا في ركود وأحيانًا أخرى في تحفيز البحث عن مسارات بديلة للتفاعل مع العالم الخارجي. من ناحية أخرى، توفر الفرص الدولية الجديدة، مثل عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس، دافعًا وبيئة جديدة لتزدهر الدبلوماسية الحضرية الإيرانية. يتطلب ذلك المرونة والتفكير المستقبلي وصياغة استراتيجيات تتماشى مع الظروف العالمية المتغيرة.

نماذج بارزة للدبلوماسية الحضرية في المدن الكبرى الإيرانية: دراسات حالة
طهران: دبلوماسية العاصمة في مجالات متعددة
تسعى بلدية طهران، كعاصمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى تنفيذ أنشطة واسعة النطاق في مجال الدبلوماسية الحضرية، تشمل شبكة واسعة من اتفاقيات التوأمة، والعضوية في المنظمات الدولية، والمبادرات المتنوعة في المجالات الاقتصادية والثقافية والمواطنة. لمزيد من التفاصيل حول دبلوماسية طهران الحضرية، يمكن الاطلاع على [هذا الرابط].

أصفهان: دبلوماسية قائمة على التراث الثقافي والابتكار
تُعد أصفهان، بتراثها التاريخي والثقافي الغني، واحدة من أكثر المدن الإيرانية نشاطًا في مجال الدبلوماسية الحضرية. تعتمد المدينة على تراثها العالمي وقدراتها الابتكارية، خاصة في المجال الأكاديمي، لتوسيع التفاعلات الدولية.

شيراز: ربط الثقافة والفن والتنمية المستدامة في التفاعلات الدولية
شيراز، مدينة الشعر والأدب الفارسي، نشطة في مجال الدبلوماسية الحضرية بفضل تراثها الثقافي والفني الغني، مع التركيز على قضايا التنمية المستدامة. للتعرف أكثر على الدبلوماسية الحضرية في شيراز،

تبريز: الاستفادة من الموقع الاستراتيجي والتاريخي في الدبلوماسية الحضرية
تبريز، بتاريخها العريق وموقعها الجغرافي المميز في شمال غرب إيران، تمتلك إمكانات كبيرة للعب دور في الدبلوماسية الحضرية، خاصة في التفاعل مع الدول المجاورة والمناطق ذات الصلة الثقافية. لمزيد من المعلومات حول تاريخ الدبلوماسية الحضرية في تبريز،

مشهد: دبلوماسية الزيارة والثقافة والتنمية الحضرية
مشهد المقدسة، كعاصمة روحية لإيران وأحد أهم مراكز الزيارة في العالم الإسلامي، تبني دبلوماسيتها الحضرية بشكل رئيسي حول الزيارة والثقافة الرضوية وتطوير الخدمات المرتبطة بها.

أنشطة الدبلوماسية الحضرية في مدن إيرانية أخرى (أمثلة موجزة)
لا تقتصر الدبلوماسية الحضرية في إيران على المدن الكبرى، بل تشمل العديد من المدن المتوسطة والصغيرة التي تنشط في هذا المجال بناءً على قدراتها وخصائصها الفريدة. تعكس هذه الأنشطة زيادة الوعي بأهمية التفاعلات الدولية على المستوى المحلي لتحقيق التنمية وتبادل الثقافات.

  • قزوين: تمتلك هذه المدينة التاريخية 12 اتفاقية توأمة مع مدن عالمية، وتعمل بلديتها بنشاط لتوسيع هذه الشبكة، مثل الجهود لإبرام اتفاقية توأمة مع مدينة خجند في طاجيكستان لتطوير التبادلات الثقافية والسياحية والاقتصادية.
  • نيشابور: مدينة خيام وعطار، وهي متآخية مع 12 مدينة عالمية، بما في ذلك خوي (إيران)، قونية (تركيا)، غزنة (أفغانستان)، وكاشان (إيران)، وتعتمد هذه الروابط بشكل رئيسي على التراث الثقافي والأدبي المشترك.
  • رشت: مركز محافظة گيلان، وهي متآخية مع 9 مدن، منها ترابوزان (تركيا)، كوتايسي (جورجيا)، وقازان (روسيا)، ويمكن أن تركز هذه التعاونات على السياحة والزراعة وتبادل الخبرات في إدارة المدن الساحلية.
  • يزد: المدينة الصحراوية التاريخية المشهورة بهندستها المعمارية الفريدة، متآخية مع مدينة ياسبرين (هنغاريا)، وأقامت علاقات مع مدينة خويوة في أوزبكستان بفضل الروابط التاريخية والثقافية العميقة، خاصة في مجال العمارة الطينية وموقعها على الطرق التجارية القديمة.
  • كاشان: تشتهر بورد المحمدي والجلاب وهندستها التاريخية، وهي متآخية مع مدينة كازانليك في بلغاريا، المعروفة أيضًا بإنتاج ورد المحمدي ومنتجاته، وهي مثال على التوأمة القائمة على ميزة أو منتج مشترك.
  • مدن أخرى: لا تقتصر قائمة المدن الإيرانية النشطة في الدبلوماسية الحضرية على هذه الأمثلة. مدن مثل عبادان، كرج، أستارا، أراك، أردبيل، بندر أنزلي، سبزوار، بم، سمنان، وغيرها، لديها اتفاقيات توأمة مع مدن أجنبية.

تُظهر هذه المدن المتنوعة أن الدبلوماسية الحضرية لم تعد ظاهرة مقتصرة على العاصمة أو المدن الكبرى، بل تسعى المدن المختلفة، بناءً على قدراتها الفريدة – سواء كانت تاريخية، ثقافية، اقتصادية، طبيعية أو صناعية – إلى إقامة علاقات دولية والاستفادة من الفرص الناتجة عنها. يمكن أن يسهم ذلك في تحقيق تنمية أكثر توازنًا في مناطق البلاد المختلفة من خلال جذب الخبرات والتكنولوجيا والاستثمارات والسياح، فضلاً عن تقديم صورة أفضل وأشمل لإيران على المستوى العالمي.

الأدوات والآليات الشائعة في الدبلوماسية الحضرية الإيرانية
تستخدم المدن الإيرانية مجموعة من الأدوات والآليات المعترف بها دوليًا لتحقيق أهدافها الدبلوماسية، مما يتيح لها إقامة علاقات مع نظيراتها الأجنبية، تحديد المصالح المشتركة، والعمل على تحقيقها.

اتفاقيات التوأمة ومذكرات التفاهم
تُعد اتفاقيات التوأمة ومذكرات التفاهم التعاونية الأدوات الأكثر شيوعًا وشهرة في الدبلوماسية الحضرية الإيرانية. تُبرم هذه الاتفاقيات، سواء كانت رسمية أو شبه رسمية، بين مدينتين بهدف تعزيز التضامن الإنساني والثقافي، وربط مواطني المجتمعين بناءً على مصالح مشتركة في مجالات ثقافية، اقتصادية، تجارية، تاريخية، علمية، أو حتى دينية. تتضمن عملية إبرام هذه الاتفاقيات عادةً تقديم طلب من وفود خبراء، إجراء مفاوضات لتحديد مجالات التعاون، وإعداد وتوقيع مسودة العقد أو مذكرة التفاهم.

يمكن أن تشمل هذه الاتفاقيات مجموعة واسعة من الأنشطة، مثل تبادل الخبرات في إدارة المدن، تدريب الموارد البشرية، تطوير السياحة، تنظيم معارض ثقافية وحرفية مشتركة، وتهيئة الظروف للتعاون الاقتصادي والتجاري. ومع ذلك، يبقى التحدي الأساسي في هذا المجال هو فعالية واستدامة هذه التوأمات. كما أُشير في حالة طهران، فإن العدد الكبير من الاتفاقيات لا يعني بالضرورة النجاح. قد تُنسى العديد من هذه الاتفاقيات بعد توقيعها إذا لم تُدعم بخطط عملية محددة، وموارد كافية، وآليات متابعة مستمرة. لذا، هناك حاجة ماسة إلى نهج أكثر جودة بدلاً من التركيز على الكمية، مع التركيز على تحديد المصالح الحقيقية وقدرات تنفيذ البرامج المشتركة بدقة.

التبادلات الثقافية والعلمية والاقتصادية والسياحية
تشكل التبادلات في المجالات الثقافية والعلمية والاقتصادية والسياحية الجوهر الأساسي والمحتوى العملي للعديد من أنشطة الدبلوماسية الحضرية في إيران. تتيح هذه التبادلات للمدن الاستفادة من قدرات بعضها البعض وزيادة التفاهم المتبادل بين المواطنين. تشمل الأمثلة على هذه التبادلات:

  • الثقافية والفنية: تبادل الوفود الثقافية والفنية، تنظيم أسابيع ثقافية متبادلة، إقامة معارض للحرف اليدوية والفنون البصرية، تنفيذ برامج موسيقية ومسرحية مشتركة، وتبادل الأعمال الأدبية والسينمائية.
  • العلمية والتعليمية: تبادل الطلاب والأساتذة بين الجامعات في المدن المتعاونة، تنفيذ مشاريع بحثية مشتركة، عقد ورش عمل وندوات علمية، ونقل المعرفة الفنية في مجالات إدارة المدن المتخصصة.
  • الاقتصادية والتجارية: جذب الاستثمارات الأجنبية للمشاريع الحضرية، تطوير التجارة الثنائية، تصدير الخدمات الفنية والهندسية (مثل في مجال بناء المترو أو التحول الذكي للمدن)، وخلق فرص للشركات المحلية لدخول الأسواق الدولية.
  • السياحية: تطوير السياحة، خاصة السياحة الثقافية والتاريخية والدينية (كما في مشهد وقم) والصحية (كما في شيراز ومشهد)، من خلال الترويج للمعالم السياحية، تسهيل السفر، وتقديم خدمات بمعايير دولية.

بفضل التراث الثقافي والتاريخي الغني لإيران ومعالمها الدينية والطبيعية الفريدة، تُعد السياحة (بأشكالها المختلفة) والتبادلات الثقافية غالبًا نقطة البداية والمحور الرئيسي للتعاون بين المدن الإيرانية. يُعتبر ذلك ميزة نسبية للمدن الإيرانية، لكن تحويله إلى نتائج اقتصادية وثقافية مستدامة يتطلب تطوير البنية التحتية المناسبة، تقديم خدمات بمعايير دولية، والتسويق المستهدف والاحترافي.

المشاركة في المنظمات والشبكات والفعاليات الدولية
يُعد الانضمام والمشاركة النشطة في المنظمات والشبكات والفعاليات الدولية إحدى الآليات المهمة للدبلوماسية الحضرية للمدن الإيرانية. من خلال هذه الآلية، يمكن للمدن مواكبة آخر التطورات العالمية في إدارة المدن، التعلم من التجارب الناجحة للمدن الأخرى، عرض إنجازاتها وتحدياتها، وإيجاد حلول جماعية للمشكلات المشتركة.

تشمل المدن الإيرانية الكبرى مثل طهران وأصفهان وشيراز وتبريز ومشهد عضوية أو مشاركة نشطة في منظمات مثل متروبوليس (الرابطة العالمية للمدن الكبرى)، منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة (UCLG) وفروعها الإقليمية، منظمة العواصم الإسلامية، شبكات يونسكو المتخصصة (مثل شبكة المدن التعليمية وشبكة المدن الإبداعية)، المنظمة العالمية للمدن الذكية والمستدامة (WeGO)، منتدى عمداء آسيا، ومؤخرًا اتحاد المدن الأعضاء في مجموعة بريكس.

إلى جانب العضوية في المنظمات، توفر المشاركة في الفعاليات الدولية مثل المعارض المتخصصة في إدارة المدن (مثل معارض إكسبو الحضرية أو معرض “شهریران” في طهران)، والمؤتمرات والقمم الدولية، فرصًا للتواصل والتعلم وعرض القدرات. تُبرز أهمية التواصل الدولي المتزايدة للتعلم والنفوذ حث المدن الإيرانية على المشاركة الأكثر نشاطًا في هذه الساحات. لا يساهم هذا التواصل في تعزيز القدرات الداخلية لإدارة المدن فحسب، بل يمكن أن يساعد أيضًا في زيادة المصداقية والنفوذ الدولي للمدن الإيرانية، وبالتالي البلاد.

الدبلوماسية العامة وتسويق العلامة الحضرية
تُعتبر الدبلوماسية الحضرية، بمعناها الأوسع، فرعًا من الدبلوماسية العامة التي تهدف إلى التأثير على الرأي العام الخارجي وخلق صورة إيجابية عن مدينة أو بلد. في هذا السياق، يبرز تسويق العلامة الحضرية كأداة استراتيجية لتمييز المدينة، إبراز خصائصها الفريدة، وجذب الاستثمارات والسياح والمواهب والاهتمام العالمي.

ومع ذلك، يُعد تسويق العلامة الحضرية للمدن الإيرانية، بما في ذلك طهران، هدفًا مهمًا ولكنه يواجه تحديات. إن إنشاء علامة حضرية قوية ومستدامة عملية معقدة وطويلة الأمد تتطلب فهمًا دقيقًا لهوية المدينة وقيمها ومزاياها التنافسية، تحديد الرسائل الأساسية المتماسكة، واستخدام جميع الأدوات الاتصالية والدبلوماسية بشكل منسق ومبتكر. لا يكفي تنظيم فعاليات متفرقة أو حملات إعلانية مؤقتة لتحقيق علامة حضرية فعالة.

يمكن أن تكون الاستفادة من وسائل الإعلام الداخلية والدولية، تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية والرياضية ذات الجودة والجاذبية العالمية، عرض الإنجازات التكنولوجية والابتكارية، ورواية القصص الإنسانية والثقافية للمدينة، من بين الأدوات الفعالة في تسويق العلامة الحضرية. بدون استراتيجية تسويق متماسكة واستثمار كافٍ في هذا المجال، قد لا تتمكن جهود الدبلوماسية الحضرية من تحقيق التأثير المطلوب على المستوى العالمي وخلق صورة إيجابية ومستدامة عن المدن الإيرانية في أذهان الجمهور العالمي.

التحديات والفرص أمام الدبلوماسية الحضرية في إيران

على الرغم من التقدم والإنجازات الملحوظة، تواجه الدبلوماسية الحضرية في إيران مجموعة من التحديات الداخلية والدولية، إلى جانب فرص محتملة ستؤثر على مسارها المستقبلي.

العقبات الداخلية: عدم التنسيق المؤسسي، نقص الاستراتيجيات المتكاملة، والقيود القانونية والهيكلية
  • عدم التنسيق المؤسسي: في بعض الحالات، يؤدي عدم وضوح المسؤوليات والمهام بين المؤسسات المختلفة المنخرطة في الدبلوماسية العامة والحضرية (مثل وزارة الخارجية، وزارة الداخلية، منظمة الثقافة والاتصالات الإسلامية، والبلديات) والعمل المستقل أو المتوازي لهذه المؤسسات إلى عدم التنسيق وتقليل فعالية الإجراءات. كما أن ضعف التنسيق بين البلديات والحكومة المركزية يمكن أن يشكل عائقًا أمام تنفيذ دبلوماسية حضرية متماسكة ومتوافقة مع المصالح الوطنية.
  • نقص الاستراتيجيات المتكاملة: على الرغم من الأنشطة العديدة، تعاني معظم المدن الإيرانية، حتى العاصمة طهران، من نقص في الاستراتيجيات والحلول الفعالة والقابلة للتنفيذ في مجال الدبلوماسية الحضرية. يؤدي غياب أو ضعف الأهداف الكبرى، والاستراتيجيات متوسطة المدى، والسياسات التنفيذية المحددة إلى إجراءات متفرقة وأحيانًا قليلة التأثير.
  • القيود القانونية والهيكلية: يُعد ضعف القوانين واللوائح الداعمة والميسرة للأنشطة الدولية للحكومات المحلية والبلديات، فضلاً عن تفويض بعض هذه الأنشطة إلى المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، من العوائق الأخرى. بشكل عام، تؤثر الضعف الهيكلي والمؤسسي والإداري في نظام الدبلوماسية العامة في البلاد على الدبلوماسية الحضرية أيضًا.
  • قيود الموارد: يُشكل نقص الموارد المالية المستدامة والكافية، إلى جانب نقص القوى العاملة المدربة والمتخصصة في مجال العلاقات والقانون الدولي في البلديات، قيدًا جديًا آخر.
  • المشاركة المنخفضة وعدم استغلال الإمكانات: في بعض الحالات، لا تصل مشاركة ممثلي البلديات في المنظمات والفعاليات الدولية إلى المستوى المطلوب والمؤثر. كما أن الإمكانات الهائلة للإيرانيين المقيمين في الخارج والمتخصصين النشطين في المنظمات الدولية المتعلقة بإدارة المدن لم تُستغل بالشكل الأمثل.

تُظهر هذه التحديات الداخلية أن فعالية الدبلوماسية الحضرية في إيران تعتمد بشكل كبير على الإصلاحات وتحسين الهياكل والمؤسسات على المستويين الوطني والمحلي. بدون معالجة هذه العوائق، سيكون من الصعب تحقيق الإمكانات الكاملة للدبلوماسية الحضرية حتى مع وجود فرص دولية مناسبة. يمكن أن يشكل صياغة وثيقة استراتيجية وطنية للدبلوماسية الحضرية، بمشاركة جميع الأطراف المعنية، خطوة مهمة نحو التغلب على هذه التحديات.

التحديات الدولية: العقوبات، الصورة الدولية، والمنافسة الإقليمية

إلى جانب العوائق الداخلية، تواجه الدبلوماسية الحضرية في إيران تحديات على الساحة الدولية:

  • العقوبات الدولية: لا شك أن العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على إيران أثرت على أنشطة الدبلوماسية الحضرية. يمكن أن تفرض هذه العقوبات قيودًا على التبادلات المالية، نقل التكنولوجيا، جذب الاستثمارات الأجنبية، وحتى حضور ممثلي المدن في بعض الفعاليات والمنظمات الدولية. تؤثر استمرارية هذه العقوبات على بيئة التفاعلات الدولية العامة لإيران.
  • الصورة الدولية: تُعد التصورات والدعايات السلبية المنتشرة في بعض وسائل الإعلام الغربية والدولية ضد إيران تحديًا جديًا للدبلوماسية العامة والحضرية في البلاد. يمكن أن تقلل هذه الصور النمطية من رغبة الدول والمدن الأخرى في إقامة علاقات والتعاون مع المدن الإيرانية، مما يعيق تحقيق أهداف الدبلوماسية الحضرية. يُعتبر مواجهة “الإيرانوفوبيا” وتقديم صورة حقيقية وإيجابية عن إيران من المتطلبات الأساسية للتقدم في هذا المجال.
  • المنافسة الإقليمية: تتطور أنشطة الدبلوماسية الحضرية في المدن المهمة في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا بشكل متزايد، مما يزيد من المنافسة لجذب الاستثمارات والسياح، استضافة الفعاليات الدولية، واكتساب المصداقية والنفوذ في الشبكات الحضرية العالمية.

ومع ذلك، يمكن أن تعمل الدبلوماسية الحضرية كأداة لتخفيف الآثار السلبية لهذه التحديات الدولية. في ظل العقوبات والصورة السلبية، يمكن للدبلوماسية الحضرية، من خلال التركيز على المجالات غير السياسية والإنسانية مثل الثقافة والفن والرياضة والبيئة وتبادل الخبرات في إدارة المدن، أن تخلق قنوات تواصل بديلة وفعالة مع العالم الخارجي. يمكن أن تسهم هذه “الدبلوماسية المسار الثاني” في تحسين صورة البلاد تدريجيًا، وزيادة التفاهم المتبادل، وتهيئة الأرضية لتعاونات أوسع في المستقبل. لذا، يمكن أن يكون الاستثمار الذكي والموجّه في الدبلوماسية الحضرية جزءًا من الاستراتيجية الكبرى للبلاد لمواجهة العزلة والضغوط الدولية.

الفرص: التراث الثقافي والتاريخي الغني، القدرات الاقتصادية والعلمية، العضوية في التحالفات الجديدة (مثل بريكس)

على الرغم من التحديات، تتمتع الدبلوماسية الحضرية في إيران بفرص كبيرة يمكن أن تسهم في نموها وازدهارها:

  • التراث الثقافي والتاريخي الغني: تمتلك إيران، بحضارتها العريقة وتراثها الثقافي والتاريخي الفريد، رأسمالًا هائلًا للدبلوماسية الحضرية. مدن مثل أصفهان وشيراز ويزد وتبريز وهمدان تمثل كل منها كنزًا من التاريخ والفن والهندسة المعمارية والأدب، مما يجعلها جاذبة للسياح والباحثين والفنانين من جميع أنحاء العالم. يمكن أن يكون هذا التراث محورًا رئيسيًا للعديد من التعاونات الثقافية والتبادلات بين المدن.
  • القدرات الاقتصادية والعلمية: تمتلك إيران، خاصة في بعض المدن الكبرى، قدرات اقتصادية وصناعية وعلمية كبيرة. توفر الإمكانات العلمية العالية ووجود مجتمع متعلم ونشط، حتى في ظل العقوبات، فرصًا للتعاون الدولي في مجالات التكنولوجيا والابتكار. تمتلك مدن مثل طهران قدرات في النقل السككي والتحول الذكي، وتبريز في التجارة والصناعة، ومشهد في السياحة الدينية والصحية، مما يجعلها قادرة على تصدير هذه القدرات أو جذب التعاون.
  • العضوية في التحالفات والمنظمات الجديدة: توفر عضوية إيران الأخيرة في منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس، وبالتالي إمكانية انضمام المدن الإيرانية ونشاطها في اتحاد مدن بريكس-بلس، فرصة استراتيجية ومهمة للغاية للدبلوماسية الحضرية الإيرانية. تمثل هذه المنظمات، التي تضم نسبة كبيرة من سكان العالم واقتصاده، منصة بديلة للتعاون بين دول الجنوب والتفاعل مع القوى العالمية الصاعدة. يمكن أن تساعد هذه الفرصة المدن الإيرانية على الاستفادة من مصادر تمويل جديدة (مثل صندوق تنمية بريكس)، والأسواق الواسعة، والخبرات الإدارية المتنوعة، والمشاركة في تشكيل النظام الحضري العالمي الجديد. يمكن أن تسهم هذه الفرصة في تقليل الاعتماد على الهياكل الغربية التقليدية وخلق توازن في العلاقات الدولية الحضرية لإيران.
  • الحلول المقترحة المتاحة: تقدم الدراسات والتجارب الداخلية والدولية حلولًا متنوعة لتعزيز الدبلوماسية الحضرية، بما في ذلك تنظيم فعاليات مشتركة ثقافية ورياضية وعلمية، تطوير السياحة بشكل مستهدف، جذب الاستثمارات في المجالات ذات الميزة، وإنشاء شبكات دولية حضرية متخصصة في مجالات مثل البيئة والتنمية المستدامة والتكنولوجيا.

يتطلب الاستفادة الفعالة من هذه الفرص تخطيطًا دقيقًا، تقديم مشاريع مدروسة بعناية، تنسيقًا بين المدن الإيرانية المختلفة، وكذلك بين البلديات والحكومة المركزية. يمكن أن يؤدي النجاح في هذه الأطر إلى قفزة كبيرة في الدبلوماسية الحضرية الإيرانية.

الخاتمة والتوصيات المقترحة لتعزيز الدبلوماسية الحضرية في إيران
تلخيص النتائج وتحليل فعالية النماذج المقدمة

تُظهر دراسة نماذج الدبلوماسية الحضرية في إيران أن هذا المجال، على الرغم من حداثته النسبية في الهياكل الرسمية، يتمتع بحيوية وإمكانات كبيرة. لقد بذلت المدن الكبرى مثل طهران وأصفهان وشيراز وتبريز ومشهد جهودًا لإقامة وتطوير العلاقات الدولية على المستوى الحضري، مستفيدةً من خصائصها ومزاياها الفريدة. شملت الأدوات الشائعة المستخدمة اتفاقيات التوأمة، العضوية في المنظمات والشبكات الحضرية الدولية، التبادلات الثقافية والعلمية والاقتصادية، والمشاركة في الفعاليات العالمية.

تختلف فعالية هذه النماذج. في الحالات التي تمت بتخطيط دقيق، ومشاركة نشطة من الأطراف المعنية (بما في ذلك الجامعات والقطاع الخاص والمؤسسات المدنية)، وتخصيص موارد كافية، ومواءمة مع المصالح الوطنية والمحلية، تحققت نتائج إيجابية وملموسة. على سبيل المثال، يُعد التعاون القائم على المشاريع بين أصفهان وفرايبورغ، والدبلوماسية العلمية النشطة لهذه المدينة، وحصول شيراز على مقعد في مجلس إدارة المنظمات الدولية المرموقة، وتركيز مشهد على دبلوماسية الزيارة، أمثلة على النجاحات النسبية. من ناحية أخرى، في الحالات التي تخللتها عدم التنسيق المؤسسي، أو نقص الاستراتيجيات التنفيذية، أو قيود الموارد، أو التركيز الزائد على الجوانب الرمزية، انخفضت فعالية الإجراءات. تجربة “تبريز 2018” وتحدي تفعيل عدد كبير من اتفاقيات التوأمة في طهران تُبرز ذلك.

في الختام، يجب التأكيد على أن الدبلوماسية الحضرية في إيران، على الرغم من كل التحديات، تمتلك إمكانات كبيرة للمساهمة في التنمية الوطنية، وتعزيز مكانة البلاد الدولية، وتحسين جودة حياة المواطنين. يتطلب تحقيق هذه الإمكانات نهجًا شاملاً، وتنسيقًا بين القطاعات، واستراتيجيات ذكية، وتنفيذًا عمليًا من جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة على المستويين الوطني والمحلي. توفر الفرص الناشئة، خاصة في إطار التعاون بين دول الجنوب والتحالفات مثل بريكس، مسارًا جديدًا لتزدهر الدبلوماسية الحضرية الإيرانية وتكون أكثر تأثيرًا على الساحة العالمية.

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *