الدبلوماسية الحضرية وآثارها على تنمية المدن الإيرانية
تُعرف الدبلوماسية الحضرية بالتفاعل المباشر والتعاون الدولي بين المدن، والذي يمكن أن يكون بديلاً فعالاً للدبلوماسية التقليدية للحكومات. يبرز هذا النهج “قدرة المدن على صياغة سياسات بين المدن”، ويعالج قيود الدبلوماسية الحكومية في العديد من المجالات. في إيران، تشارك المدن في المشهد الدولي من خلال الانضمام إلى شبكات ومنظمات عالمية (مثل متروبوليس وUCLG) لتعزيز أهدافها الاقتصادية، الثقافية، الإدارية، والبيئية. فيما يلي، يتم استعراض الفوائد الرئيسية للدبلوماسية الحضرية للمدن الإيرانية في خمسة مجالات محددة.
التنمية الاقتصادية وجذب الاستثمار
يمكن أن تكون الدبلوماسية الحضرية عاملاً هامًا في التنمية الاقتصادية المحلية والوطنية. تُظهر دراسات الجمعية العلمية للاقتصاد الحضري في إيران أن تعزيز الاقتصاد الحضري هو أحد الأهداف الرئيسية للدبلوماسية الحضرية؛ حيث تُعد المدن عادةً المراكز الرئيسية للناتج المحلي الإجمالي، فمثلاً تمثل طهران حوالي 30% من الاقتصاد الوطني. يمكن للمدن، من خلال الترويج الواسع لقدراتها الاقتصادية وتوفير بيئة آمنة للاستثمار، جذب المستثمرين الأجانب إلى المنطقة. على سبيل المثال، تمكنت جوهانسبرغ، بفضل استراتيجية دبلوماسية حضرية ناجحة، من جذب مئات المستثمرين من أوروبا وآسيا من خلال الترويج للبنية التحتية وإمكانياتها. كما يمكن للدبلوماسية الحضرية أن تعزز السياحة الدولية من خلال إبراز معالم المدينة (التاريخية، الطبيعية، والفنية)، مما يساهم في ازدهار الاقتصاد السياحي؛ فعلى سبيل المثال، نجحت شنغهاي في جذب عدد كبير من السياح من خلال تسويق إمكانياتها السياحية. باختصار، تُسهم الدبلوماسية الحضرية في تعزيز سمعة المدن وشبكاتها الدولية، مما يوفر فرصًا للاستثمار، خلق فرص العمل، وتنمية الأعمال في المدن الإيرانية.
- جذب الاستثمار الأجنبي: خلق بيئة آمنة والترويج للقدرات الاقتصادية للمستثمرين الدوليين.
- تعزيز السياحة: الترويج للمعالم الثقافية والتاريخية للمدينة لجذب السياح الأجانب.
- تدعيم الاقتصاد المحلي: زيادة التجارة بين المدن والتدفقات المالية الداخلية من خلال استغلال الفرص الاقتصادية المشتركة.
على سبيل المثال، وقّعت بلدية طهران مذكرة تفاهم توأمة مع بكين في عام 2013، مما بدأ تعاونًا اقتصاديًا وتجاريًا واسعًا. ركزت هذه الوثيقة على جذب الاستثمار وتطوير التعاون التجاري. في العاصمة طهران، تُنفذ سياسات الدبلوماسية الحضرية بهدف تطوير العلاقات التجارية والصناعية مع الشركاء الأجانب والمحليين لخلق اقتصاد حضري أقوى.

برج ميلاد طهران
توسيع العلاقات الثقافية والعلمية
يُعد تعميق التعاون الثقافي، الفني، والعلمي بين المدن المختلفة أحد الإنجازات المهمة للدبلوماسية الحضرية. تتشكل شبكات التوأمة واتفاقيات التعاون بين البلديات عادةً على أساس القواسم المشتركة التاريخية، الثقافية، والتعليمية. على سبيل المثال، بدأت مدينتا أصفهان وجيونغجو (كوريا الجنوبية) علاقاتهما الرسمية في عام 2013، وتركزت هذه التفاعلات على الأنشطة الثقافية-التاريخية ومهرجانات طريق الحرير. وسعت أصفهان وجيونغجو تعاونهما الثقافي والعلمي من خلال تبادل الطلاب والباحثين، تنظيم ندوات مشتركة (مثل ندوة أصفهان-جيونغجو حول الحضارة القديمة)، والمشاركة النشطة في الأحداث الفنية. وبالمثل، تمتلك شيراز، بتراثها الأدبي والفني الغني، عشر مدن توأم في آسيا وأوروبا (مثل نيقوسيا، دوشانبي، تشونغتشينغ، نانجينغ، وقونية). تساعد هذه الشبكات من التوأمة في تبادل المعارض الفنية، الحفلات الموسيقية، المهرجانات الثقافية، وتنفيذ مشاريع بحثية مشتركة، مما يسهم في توسيع العلاقات العلمية-الثقافية وتعريف العالم بالثقافة الإيرانية.
- الشبكات الجامعية والبحثية: تنظيم مؤتمرات ومشاريع بحثية مشتركة بين الجامعات والمؤسسات العلمية في المدن.
- التبادلات الفنية والثقافية: المشاركة في المهرجانات والمعارض الدولية، الاحتفالات الثقافية (مثل مهرجانات المدن الإبداعية)، تبادل معارض المتاحف، والترويج للتراث الثقافي للجمهور العالمي.
على سبيل المثال، في تعاون أصفهان وجيونغجو، تم تنظيم دورات تدريبية وندوات دولية ثقافية-تاريخية في جامعات كلا المدينتين. تزيد هذه الأنشطة من جاذبية السياح الثقافيين، وتوفر فرصًا للتعاون العلمي (تبادل مقترحات البحث، وورش العمل التدريبية).
تحسين الإدارة الحضرية من خلال تبادل الخبرات
توفر الدبلوماسية الحضرية منصة مناسبة لتبادل الخبرات الفنية والإدارية بين المدن. يمكن لرؤساء البلديات والمديرين الحضريين، من خلال حضور المؤتمرات والاجتماعات الدولية، الاستفادة من طرق إدارة المدن الناجحة في بلدان أخرى. على سبيل المثال، خلال جائحة كورونا، تبادلت بلديتا أصفهان وجيونغجو الخبرات في احتواء الوباء واستمرارية الخدمات الحضرية من خلال مؤتمرات عبر الفيديو. كما زار رئيس بلدية طهران بكين رسميًا للاطلاع على مشاريع النقل الذكي في العاصمة الصينية؛ حيث أظهرت زيارة مترو بكين ومركز التحكم الذكي بالمرور تركيزًا على تعلم طرق إدارة النقل والمرور الحديثة.
- تبادل الخبرات الفنية: المشاركة في مشاريع مشتركة ودراسات حالة لمشاريع ناجحة (مثل النقل المستدام، أنظمة إدارة النفايات الذكية، والدفاع غير العسكري).
- تدريب المدراء الحضريين: تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية دولية للمديرين والخبراء الحضريين للتعرف على المعايير والتقنيات الجديدة.
تتيح هذه التعاونات للمدن الإيرانية تطبيق أحدث أساليب الإدارة في مدنها وتجنب الأخطاء السابقة لها أو لغيرها من المدن. على سبيل المثال، تمكنت جاكرتا، بالاستفادة من تجارب التنمية الحضرية في مناطق أخرى من العالم، من تطوير بنيتها التحتية لتقترب من مستوى المدن المتقدمة.
رفع المكانة الدولية للمدن الإيرانية
تعزز الأنشطة في مجال الدبلوماسية الحضرية هوية المدينة ومكانتها على المستوى العالمي. يضع الانضمام إلى مؤسسات وجمعيات عالمية حضرية مثل UCLG ومتروبوليس بلديات إيران في صميم عمليات صنع القرار والبرامج التنموية العالمية. على سبيل المثال، يشير تحليل إلى أن عضوية إيران في المنظمات الدولية المتخصصة (مثل UCLG ومتروبوليس) “توفر أرضية لتفاوض طهران في الحوكمة العالمية”. وهكذا، يمكن لمديري المدن الإيرانية حضور المؤتمرات والمعارض العالمية، تقديم وجهات نظر واحتياجات مدنهم، واكتساب مشاريع دولية. أكد الأمين العام لجمعية متروبوليس العالمية أن المدن الإيرانية، وخاصة مشهد، تلعب دورًا فعالًا في هذه المنظمة ويمكن أن تقدم نموذجًا للتفاعل الحضري. يؤدي تعزيز الدبلوماسية الحضرية إلى منح المدن ألقابًا دولية (مثل “المدينة الإبداعية” أو “عاصمة الثقافة”)، مما يزيد من المصداقية العالمية ويسهل جذب الاستثمارات الثقافية-الاقتصادية.
- الشبكات العالمية: المشاركة في الاجتماعات والاتحادات الحضرية لتشكيل تحالفات وتخطيط مشاريع مشتركة.
- زيادة المصداقية الحضرية: اكتساب ألقاب دولية (مثل مدن اليونسكو الإبداعية) واستضافة مؤتمرات عالمية، مما يساعد في التعرف على العلامة التجارية للمدينة عالميًا.
على سبيل المثال، طهران عضو نشط في UCLG وتشارك في مؤتمرات متروبوليس الدولية. كما أظهرت مشهد، من خلال استضافة قمة متروبوليس في عام 2025، أنها يمكن أن تكون “مركز الدبلوماسية الحضرية للمدن الإيرانية”. تعزز هذه الأنشطة المكانة الدولية للمدن الإيرانية وتوفر إمكانية التدخل في السياسات الحضرية العالمية.
التعاون البيئي، التغيرات المناخية، والتنمية المستدامة
تُعد القضايا البيئية والمناخية من التحديات المشتركة للمدن. بما أن المدن الكبرى تُسبب أكثر من 70% من المشكلات البيئية، توفر الدبلوماسية الحضرية منصة مناسبة للتعاون في هذا المجال. يمكن للمدن، من خلال توقيع اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف، متابعة مشاريع مشتركة لخفض تلوث الهواء، إدارة النفايات، تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، وتطوير الطاقة النظيفة. في وثيقة التوأمة بين طهران وبكين، تم الإعلان صراحةً أن بلديتي المدينتين “ستتعاونان في مجالات حماية البيئة”. علاوة على ذلك، يمكن لرؤساء البلديات تبادل خبراتهم في مواجهة الكوارث الطبيعية وأزمات الطقس. يؤدي التركيز على التنمية المستدامة من خلال الدبلوماسية الحضرية إلى تصميم مدن أكثر خضرة واستدامة.
- مشاريع بيئية مشتركة: تنفيذ مشاريع صداقة لتحسين جودة الهواء، إنشاء الحدائق والمساحات الخضراء، توفير الطاقة، وإدارة موارد المياه.
- مكافحة التغيرات المناخية: استخدام تقنيات خفض انبعاثات الكربون والتواصل مع المدن الرائدة في التخطيط الحضري المناخي (على سبيل المثال، المشاركة في مشاريع دولية ملتزمة بأهداف 2030).
أشار جوردي فاكوير، الأمين العام لمتروبوليس، بوضوح إلى أن “البيئة والتغيرات المناخية” هي من أكبر التحديات التي تواجه المدن الكبرى، وأن التعاون العالمي بين المدن ضروري لمواجهة هذه التهديدات. ونتيجة لذلك، يمكن للمدن الإيرانية المشاركة في مشاريع بيئية وتنموية مستدامة من خلال الدبلوماسية الحضرية لتقليل الملوثات وتحسين جودة حياة المواطنين.
أمثلة على الدبلوماسية الحضرية في المدن الإيرانية
- طهران: أصبحت طهران مدينة توأم مع عدة عواصم حول العالم. من أبرزها بكين (الصين)، موسكو، بودابست، وأنقرة. في مذكرة التفاهم بين طهران وبكين (2013)، تم تحديد التعاون الاقتصادي، التجاري، الثقافي، التعليمي، الخدمات الحضرية، وحماية البيئة بشكل واضح. علاوة على ذلك، ساهمت المشاركة النشطة لطهران في شبكات دولية مثل UCLG في عقد لقاءات مع رؤساء بلديات دول أخرى والترويج لقدرات العاصمة.
- أصفهان: تُعد أصفهان من المدن الرائدة في الدبلوماسية الحضرية في إيران. أهم تجربة لها هي اتفاقية التوأمة مع المدينة التاريخية جيونغجو في كوريا الجنوبية. تشمل هذه التعاونات تبادلات علمية وثقافية، والمشاركة في مهرجانات دولية، وتبادل الباحثين الجامعيين. إضافة إلى ذلك، ترتبط أصفهان بعلاقات ثقافية وتسويقية مع مدن أخرى مثل فلورنسا (إيطاليا) وسانت بطرسبرغ (روسيا).
- شيراز: مع أكثر من عشر مدن توأم عالمية (مثل نيقوسيا، دوشانبي، تشونغتشينغ، نانجينغ، وقونية)، تُعد شيراز واحدة من المدن النشطة في الدبلوماسية الثقافية في إيران. تم الاعتراف بها كـ”مدينة إبداعية للحرف اليدوية” من قبل اليونسكو، وتنظم فعاليات فنية وحرفية مشتركة مع مدن أخرى. يوفر التراث الأدبي والفني لشيراز (شعراء مثل حافظ وسعدي) أرضية قوية للعلاقات الدولية لهذه المدينة.
- مشهد: وفقًا للأمين العام لجمعية متروبوليس العالمية، تُعد مشهد “بالإضافة إلى تسويق العلامة التجارية والدبلوماسية الحضرية، مركزًا للدبلوماسية الحضرية للمدن الإيرانية”. كمركز لمنظمة متروبوليس في إيران، برزت مشهد كرائدة في مجال الابتكار (المدينة الإبداعية والتقنيات الحضرية). أسست المدينة مراكز للابتكار والتكنولوجيا، مع تركيز خاص على الدبلوماسية الحضرية في مجالات التكنولوجيا والبيئة. سمحت المشاركة النشطة لمشهد في المحافل الدولية لإدارة المدن لهذه المدينة بلعب دور رئيسي في العلاقات العالمية للمدن الإيرانية.
تُظهر الأمثلة أعلاه أن الدبلوماسية الحضرية للمدن الإيرانية تتجاوز عقد الاجتماعات وتوقيع مذكرات التفاهم؛ فمن خلال توسيع شبكات الشراكة، نقل المعرفة، وجذب المشاريع الدولية، تُسهم في تحسين جودة الحياة الحضرية في جميع الأبعاد الاقتصادية، الثقافية، الإدارية، والبيئية.